فصل: التصعد في السماء كما تراه العلوم الكونية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والنوع الثاني: الهداية التشريعية وهى التي تتعلق بالأمور التشريعية من الاعتقادات الحقة والاعمال الصالحة التي وضعها الله سبحانه للامر والنهى والبعث والزجر ووعد على الاخذ بها ثوابا وأوعد على تركها عقابا.
ومن هذه الهداية ما هي إراءة الطريق كما في قوله تعالى: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} [الدهر: 3].
ومنها ما هي بمعنى الايصال إلى المطلوب كما في قوله تعالى: {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه} [الأعراف: 176] وقد عرف الله سبحانه هذه الهداية تعريفا بقوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} [الآية: 125] فهى انبساط خاص في القلب يعى به القول الحق والعمل الصالح من غير أن يتضيق، به وتهيؤ مخصوص لا يأبى به التسليم لامر الله ولا يتحرج عن حكمه.
وإلى هذا المعنى يشير تعالى بقوله: {أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه} إلى أن قال: {ذلك هدى الله يهدى به من يشاء} [الزمر: 23] وقد وصفه في الآية بالنور لأنه ينجلى به للقلب ما يجب عليه أن يعيه من التسليم لحق القول وصدق العمل عما يجب عليه أن لا يعيه ولا يقبله وهو باطل القول وفاسد العمل.
وقد رسم الله سبحانه لهذه الهداية رسما آخر وهو ما في قوله عقيب ذكره هدايته أنبياءه الكرام وما خصهم به من النعم العظام: {واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده} [الأنعام: 88] فقد أوضحنا في تفسير الآية أن الآية تدل على أن من خاصة الهداية الإلهية أنها تورد المهتدين بها صراطا مستقيما وطريقا سويا لا تخلف فيه ولا اختلاف.
فلا بعض أجزاء صراطه الذي هو دينه بما فيه من المعارف والشرائع يناقض البعض الآخر لما أن الجميع يمثل التوحيد الخالص الذي ليس إلا حقيقة ثابتة واحدة، ولما أن كلها مبنية على الفطرة الإلهية التي لا تخطئ في حكمها ولا تتبدل في نفسها ولا في مقتضياتها.
ولا بعض الراكبين عليه السائرين فيه يالفون بعضا آخر فالذي يدعو إليه نبى من أنبياء الله هو الذي يدعو إليه جميعهم، والذى يندب إليه خاتمهم وآخرهم هو الذي يندب إليه آدمهم وأولهم من غير أي فرق إلا من حيث الإجمال والتفصيل. اهـ.

.من الإعجاز العلمي في الآية الكريمة:

مقال للدكتور زغلول النجار
قال حفظه الله:
{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء...} [الأنعام: 125].
يعجب الإنسان لهذا التشبيه القرآني المعجز الذي يقابل بين ضيق صدر العازفين عن الهداية الربانية، كلما ذكروا بها، وضيق صدر الذي يصعد في السماء بغير وسيلة واقية، وهي حقيقة لم يدركها الإنسان في أبعادها الصحيحة إلا بعد ريادته للفضاء، وقبل الدخول في تفصيل المغزي العلمي لهذا التشبيه القرآني لابد من توضيح الدلالات اللغوية والقرآنية لعدد من الألفاظ الواردة في الآية الكريمة وهذا ما سوف نفصله في الأسطر القليلة التالية.

.الدلالات اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة:

بالنسبة للفعل {يشرح} في قول الحق تبارك وتعالى: {يشرح صدره} فإن (الشرح) في اللغة هو الكشف والبسط وإظهار الغامض والخافي من المعاني.
يقال: (شرح) المشكل أو الغامض من الأمر (يشرحه شرحا) أي فسره، وبسطه، وأظهر ما خفي من معانيه، و(شرح) الله صدره للإسلام (فانشرح) أي انبسط في رضا وارتياح للنور الإلهي والسكينة الروحية لأن من معاني (شرح) الصدر توسعته.
أما عن (الصدر الضيق الحرج) فأصل (الحرج) و(الحراج) مجتمع الأشياء من مثل الشجر ونحوه، ومن هنا تصور منه ضيق ما بينها، فقيل للضيق (حرج)، وللإثم (حرج) واستخدام فعل (التحريج) بمعني التضييق، ويقال للغيضة الملتفة الأشجار التي يصعب دخولها: (حرجة)، وعلي ذلك فإن (الحرج) في اللغة هو الضيق بل ضيق الضيق، يقال مكان (حرج)- بكسر الراء وفتحها- أي ضيق كثير الشجر، و(الحرج) و(الحرج) أيضا الإثم، يقال: (أحرجه) بمعني آثمه، و(تحرج) أي تأثم، و(حرج) عليه الشيء أي حرم عليه، و(المنحرج) المتجنب من الحرج والإثم، ويقال: (حرج) صدره (حرجا) فهو (حرج) أي ضاق ضيقا شديدا.
وأما عن (التصعد في السماء) فالتصعد والتصاعد والصعود هو الذهاب إلي المكان العالي أو الارتفاع، وهو ضد الحدور، يقال: (صعد) بالكسر (يصعد) (صعودا) في السلم أي ارتقاه ارتقاء، و(صعد) (يتصعد) في الجبل، و(تصعد).
(يتصعد) أي ارتفع عليه وعلاه، و(أصعد) في الأرض (صعودا) أي مضي وسار في مناكبها والصعود أيضا العقبة الشاقة الكئود ويستعار لكل شاق وأصعد في الوادي و(صعد) فيه (تصعيدا) أي انحدر معه، ولو أن الصعود أصلا ضد الهبوط، وهو و(الصعد) والصعيد واحد، ويقال عذاب (صعد) أي شديد و(الصعيد) هو أيضا ما يصعد إليه، و(الصعداء): تنفس ممدود، ويقال (تصعد) النفس بمعني صعب مخرجه، ويقال: (يصعد) وأصلها (يتصعد) أي يتكلف الصعود، فلا يستطيعه، و(تصعد) أيضا تستخدم بمعني شق من المشقة و(الإصعاد)= الإبعاد في الأرض سواء كان في صعود أو حدور (هبوط)؛ و(الصعد) الشاق أو المشقة ويقال: (تصعدون) أي تذهبون في الوادي هربا من عدوكم من (الإصعاد) وهو الذهاب في صعيد الأرض، والإبعاد فيه، يقال: (أصعد) في الأرض إذا أبعد في الذهاب وأمعن فيه فهو (مصعد).

.الدلالات القرآنية لبعض ألفاظ الآية الكريمة:

جاء الفعل (شرح) بتصريفاته في أربعة مواضع من القرآن الكريم بالإضافة إلي الآية الكريمة التي نحن بصددها علي النحو التالي:
(1) {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو علي نور من ربه} [الزمر: 22].
(2) {ألم نشرح لك صدرك} [الشرح: 1].
(3) {قال رب اشرح لي صدري} [طه: 25].
(4) {ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} [النحل: 106].
وجاءت لفظة (حرج) في خمسة عشر موضعا بمعني الضيق في التشريع، أو شدة الضيق بصفة عامة، كما جاءت بمعني الإثم أو الذنب.
أما الفعل (صعد) بمشتقاته فقد جاء في تسعة مواضع من كتاب الله تعالى بمعني الأرتفاع، والقبول، والرضا من الله سبحانه وتعالى، وبمعني الذهاب في الوادي، والمضي فيه هربا، وبمعني تكلف الصعود بمشقة بالغة، فلا يستطيعه، وبمعني شديدا صعبا، وبمعني العقبة المرتفعة الشاقة المصعد، وبمعني وجه الأرض البارز سواء كان ترابا أو غيره، وقيل التراب ذاته.
أما لفظة (السماء) فقد جاءت في ثلاثمائة وعشرة مواضع من كتاب الله، منها مائة وعشرون بالإفراد (السماء)، ومائة وتسعون بالجمع (السماوات)، وصيغة الجمع توحي ببقية الكون في مقابلة الأرض، بينما الإشارات المفردة بلفظ (السماء) جاءت في ثمانية وثلاثين موضعا بمعني الغلاف الغازي للأرض بصفة عامة، والجزء الأسفل منه بصفة خاصة (أو ما يعرف باسم نطاق التغيرات المناخية أو نطاق الرجع) والذي يحتوي غالبية مادة الغلاف الغازي للأرض، وجاء لفظ (السماء) أيضا بالإفراد في أثنين وثمانين موضعا يفهم الغالب منها علي أنه السماء الدنيا التي زينها ربنا تبارك وتعالى بالكواكب والنجوم والبروج، ويفهم منها مجموع السماوات قبل فصلها إلي سبع، وبعد فصلها في بعض المواضع.
كذلك جاءت الإشارة في القرآن الكريم إلي (السماوات والأرض وما بينهما) في عشرين موضعا، ويفهم هذا التعبير علي أن المقصود منه هو الغلاف الغازي للأرض بصفة عامة، والجزء الأسفل منه بصفة خاصة، وذلك لقول الحق تبارك وتعالى: {والسحاب المسخر بين السماء والأرض} [البقرة: 164].
والسحاب يتحرك في نطاق الطقس، والقرآن الكريم يشير في أكثر من آية إلي إنزال الماء من السماء، وواضح الأمر أن المقصود بالسماء هنا هو السحاب.
فإذا كان المقصود بالسماء في قول الحق تبارك وتعالى: {كأنما يصعد في السماء} هو الغلاف الغازي للأرض فإن لذلك صعوباته ومشاقه التي تصل إلي حد الاستحالة، وإذا كان المقصود هو السماء الدنيا فإن الصعوبات والعقبات تتضاعف أضعافا كثيرة حتي تصل إلي ما فوق الاستحالة، وذلك لأن الله تعالى قد حدد للإنسان نطاقا معينا من الأرض وغلافها الغازي تتواءم فيه ومعه بنيته الجسدية، ووظائف أعضائه المختلفة، وإذا خرج عن هذا النطاق فإنه يحتضر ويموت، كما يموت السمك إذا أخرج من الماء، ويتضح ذلك جليا من دراسة الصفات الطبيعية والكيميائية لنطق الغلاف الغازي للأرض.

.شروح المفسرين للآية الكريمة:

في تفسير الآية الكريمة التي نحن بصددها ذكر ابن كثير يرحمه الله ما نصه: يقول تعالي: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} أي ييسره له وينشطه ويسهله لذلك، فهذه علامات علي الخير، كقوله تعالى: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو علي نور من ربه} الآية، وقال تعالي: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم}، وقال ابن عباس معناه يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به، وهو ظاهر. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت وأكثرهم لما بعده استعدادا، وسئل عن هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} قالوا: كيف يشرح صدره يارسول الله؟ قال: نور يقذف فيه، فينشرح له وينفسح، قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: الإنابة إلي دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت.. وقوله تعالى: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} حرجا بفتح الحاء والراء، وهو الذي لا يتسع لشيء من الهدي، ولا يخلص إليه شيء من الإيمان ولا ينفذ فيه، وقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا من الأعراب من أهل البادية من مدلج عن الحرجة؟ فقال: هي الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء، فقال عمر رضي الله عنه: كذلك قلب المنافقين لا يصل إليه شيء من الخير؛ وقال ابن عباس: يجعل الله عليه الإسلام ضيقا والإسلام واسع، وذلك حين يقول: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} يقول: ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق، وقال مجاهد والسدي: {ضيقا حرجا} شاكا، وقال عطاء الخراساني: {ضيقا حرجا} أي ليس للخير فيه منفذ، وقال ابن المبارك: {ضيقا حرجا} بلا إله إلا الله حتي لا تستطيع أن تدخل قلبه،{كأنما يصعد في السماء} من شدة ذلك عليه، وقال سعيد بن جبير: {يجعل صدره ضيقا حرجا} لا يجد فيه مسلكا إلا صعد، وقال عطاء الخراساني: {كأنما يصعد في السماء} يقول: مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلي السماء، وقال ابن عباس: فكما لا يستطيع ابن آدم ان يبلغ السماء، فكذلك لا يستطيع ان يدخل التوحيد والإيمان قلبه حتي يدخله الله في قلبه، وقال الأوزاعي: كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا ان يكون مسلما؛ وقال ابن جرير: وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شدة ضيقه عن وصول الإيمان إليه يقول: فمثله في امتناعه عن قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه مثل امتناعه عن الصعود إلي السماء وعجزه عنه، لأنه ليس في وسعه وطاقته.
وقال صاحب تفسير الجلالين يرحمهما الله شيئا مختصرا عن ذلك وذكر كل من صاحب (صفوة البيان لمعاني القرآن)- يرحمه الله- وصاحب صفوة التفاسير (أمد الله في عمره) شيئا مشابها أيضا.
وذكر صاحب الظلال يرحمه الله: من يقدر الله له الهداية- وفق سنته الجارية من هداية من يرغب في الهدي ويتجه إليه بالقدر المعطي له من الاختيار بقصد الابتلاء- {يشرح صدره للإسلام}، فيتسع له، ويستقبله في يسر ورغبة، ويتفاعل معه، ويطمئن إليه، ويستريح به ويستريح له.
ومن يقدر له الضلال- وفق سنته الجارية من إضلال من يرغب عن الهدي ويغلق فطرته عنه- {يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء}.. فهو مغلق مطموس يجد العسر والمشقة في قبوله، {كأنما يصعد في السماء}.. وهي حالة نفسية تجسم في حالة حسية، من ضيق النفس، وكربة الصدر، والرهق المضني في التصعد الي السماء!

.التصعد في السماء كما تراه العلوم الكونية:

سبق، وأن أشرنا أن لفظة (السماء) تعني الكون في مقابلة الأرض، وأن التعريف اللغوي للسماء يشمل كل ما علاك فأظلك بدءا من نطق الغلاف الغازي للأرض وانتهاء بالحدود المدركة للكون.

.السماء بمعني الغلاف الغازي للأرض:

تحاط الأرض بغلاف غازي تقدر كتلته بنحو خمسة آلاف مليون مليون طن (5،2*1510 أطنان) ويقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر، ويتناقص ضغطه من نحو الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع عند مستوي سطح البحر إلي واحد من المليون من ذلك في الجزء العلوي منه.
ويقسم الغلاف الغازي للأرض إلي قسمين رئيسيين علي النحو التالي:
أ- القسم السفلي من الغلاف الغازي للأرض (The lower Atmosphere):
ويتكون من خليط من جزيئات النيتروجين، والاوكسجين، وعدد من الغازات الأخري، ويعرف باسم النطاق المتجانس (The Homosphere).
ويقسم إلي ثلاثة نطق متميزة من أسفل إلي أعلي علي النحو التالي:
(1) نطاق التغيرات الجوية:
نطاق الطقس أو نطاق الرجع (TheTroposphere):
وهو نطاق قليل السمك، يلامس الأرض مباشرة، ويمتد من مستوي سطح البحر إلي ارتفاع 16 إلي 17 كيلو مترا فوق خط الاستواء، ويتناقص سمكه إلي ما بين 6 و8 كيلو مترات فوق القطبين، ويختلف سمكه فوق خطوط العرض الوسطي باختلاف ظروفها الجوية، فينكمش إلي ما دون السبعة كيلو مترات في مناطق الضغط المنخفض، ويمتد إلي نحو 13 كيلو مترا في مناطق الضغط المرتفع، وعندما تتحرك كتل الهواء الحار من خط الأستواء في اتجاه القطبين فإنها تضطرب فوق هذا المنحني الوسطي، فتزداد سرعة الهواء مندفعا تجاه الشرق بتأثير دوران الأرض حول محورها أمام الشمس من الغرب إلي الشرق، ويتم ذلك بسرعة فائقة تعطي كتل الهواء المتحركة بها اسم التيار النفاث (The Jet stream).